أنا و المدينة
هذا أنا ،
وهذه مدينتي ،
عند انتصاف الليل
رحابة الميدان ، والجدران تل
تبين ثم تختفي وراء تلّ
وريقة في الريح دارت ، ثم حطت ، ثم ضاعت في الدروب.
ظل يذوب
يمتد ظل
وعين مصباح فضولي ممل
دست على شعاعه لّما مررت
وجاش وجداني بمقطع حزين
بدأته ، ثم سكت
من أنت يا .. من أنت ؟
الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي
لقد طردت اليوم
من غرفتي
وصرت ضائعا بدون اسم
هذا أنا ،
وهذه مدينتي !
عبد المعطي حجازي ، مدينة بلا قلب – الأعمال الكاملة ، دار العودة ، بيروت 1973 – ص/ص 188 – 189
أولا : بطاقة التعريف بالشاعر : [ عبد المعطي حجازي ]
عبد المعطي حجازي |
مراحل من حياته :
|
أعماله :
|
- ولد سنة 1935م بمصر - حفظ القرآن الكريم ، وتدرج في مراحل التعليم حتي حصل على دبلوم دار المعلمين 1955- حصل على ليسانس الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة 1978 ، ودبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1979 - عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير.- سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذاً للشعر العربي بجامعاتها ثم عاد إلى القاهرة لينضم إلى أسرة تحرير (الأهرام). ويرأس تحرير مجلة (إبداع).- عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان.- دعي لإلقاء شعره في المهرجانات الأدبية.- شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية ، ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر.- حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية سنة 1989 ، وجائزة الشعر الأفريقى ، عام 1996 ، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة ، عام 1997- ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية وغيرها. |
* دواوينه الشعرية: - مدينة بلا قلب 1959 - أوراس 1959- لم يبق إلا الاعتراف 1965- مرثية العمر الجميل 1972- كائنات مملكة الليل 1978- أشجار الإسمنت 1989 . * مؤلفاته: منها:- محمد وهؤلاء - إبراهيم ناجي- خليل مطران - حديث الثلاثاء- الشعر رفيقي - مدن الآخرين- عروبة مصر - أحفاد شوقي |
ثانيا : ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان :
- تركيبيا : عنوان النص مركب عطفي
- معجميا : ينتمي العنوان إلى المجال السكاني.
- دلاليا : يدل حرف العطف (الواو) على علاقة بين الشاعر الذي يعود عليه ضمير المتكلم (أنا) والمدينة ، وهذا يوحي بوجود شيء مشترك بينهما أو ربما بشدة تعلق الشاعر بمدينته.
2- بداية النص :
نلاحظ فيها تكرار العنوان مع إضافة اسمين للإشارة هما : (هذا و هذه) للدلالة على التأكيد والتحديد والقرب من المدينة.. فكأن الشاعر يريد أن يؤكد على أن الضمير (أنا) يحيل عليه دون سواه وأن المدينة المتحدث عنها هي مدينته دون غيرها من المدن..مما جعله يحدد طرفي المواجهة في هذه القصيدة ويعرف بكل منهما بشكل يجعلهما قريبين من بعضهما وغير بعيدين موظفا لهذا الغرض اسمين للإشارة دالين على القريب.
3- نهاية النص :
ينتهي النص بنفس العبارة التي استهلت بها القصيدة ، وهذا يعطي القصيدة نظاما دائريا / حلزونيا في بنائها ، مما يدل على أن المواجهة التي أعلن عنها الشاعر في بداية القصيدة بين الشاعر ومدينته لم تحقق رغبة الشاعر أو طموحه ، فعاد بنا إلى نقطة الصفر ليؤكد على استمرار المشكلة ذاتها و الإحساس بخيبة الأمل.
4- نوعية النص :
قصيدة شعرية من الشعر الحر ذات بعد سكاني
ثالثا : فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- رحابة : شساعة ، اتساع
- التل : الربوة أو الأكمة أو الهضبة ، المرتفع من الأرض قليلا . ج : تلال.
- جاش : تحرك وسال
2- الفكرة المحورية :
إحساس الشاعر بالغربة والضياع في المدينة رغم رحابة ميادينها
رابعا : تحليل النص :
1- أحداث القصة التي تحكيها القصيدة :
أ- [ من السطر : 1 الى السطر : 12 ]
* وصف المدينة بمساحتها الشاسعة ، وما يعانيه الشاعر من حزن وكآبة وتشرد
ب- [ من السطر : 13 إلى السطر : 19 ]
* تفاقم مشكلة الشاعر بسبب طرده من غرفته ، وجهل الحارس لحكايته.
2- عناصر القصة :
الشخصيات
|
الزمان
|
المكان
|
- الحارس - الشاعر |
- انتصاف الليل - اليوم |
- المدينة - الميدان - الدروب - الغرفة |
3- الألفاظ والعبارات الدالة على الحزن والمعاناة :
ضاعت – حزين – ضائعا – ممل – يذوب – طردت – جاش – لا يعي – سكت – تختفي – بدون اسم …
يدل هذا النوع من البناء – كما تمت الإشارة سابقا – على خيبة الأمل التي يشعر بها الشاعر ، وعجزه عن إيجاد حل لمشكلته ، فكل خطوة يقوم بها في سبيل الخروج من قوقعة مشكلته فهي خطوة من و إلى هذه القوقعة..لذلك سرعان مايجد الشاعر نفسه في نفس المكان فتكون البداية هي نفسها النهاية.
وتجدر الإشارة إلى أن القصيدة في كليتها عبارة عن دائرة كبرى تبدأ وتنتهي بنفس العبارة ( هذا أنا.. و هذه مدينتي ) ، وتتخللها دوائر صغرى نوضيحها من خلال الأمثلة التالية :
- ظل يذوب يمتد ظل : نلاحظ هنا تكرارا للفظة (ظل) في بداية ونهاية السطر ، ومن خلال هذا التكرار تم التقريب بين الفعلين (يذوب + يمتد) للدلالة على انتقال انسيابي بين مرحلتين متواليتين هما لحظة ذوبان الظل ولحظة امتداده. وهو انتقال ما كان ليحدث بهذا الشكل الانسيابي لو أن الشاعر قال مثلا : (ظل يذوب ظل يمتد)
- بدأته ثم سكت : سكوت الشاعر بعد بدء الكلام دليل على عودته إلى لحظة ماقبل البدء بالكلام حيث كان ساكتا ، مما يجعل البداية هي نفسها النهاية.. ومن خلال ذلك يتضح النظام الدائري للقصيدة مرة أخرى.
- من أنت يا... من أنت : عبارة من أنت رددها الحارس مرتين : في بداية السطر ونهايته ، ويبدو أن لسانه سبقه إلى النطق بأداة الاستفهام قبل التفكير في المنادى الذي يخاطبه من يكون؟ وما اسمه؟..مما جعله يكون في مأزق وموقف محرج لم يخرج منه إلا بالاستدارة والرجوع إلى عبارة البداية..(من أنت).
خامسا : التركيب و التقويم :
القصيدة رصد لحالة العلاقة المتوترة بين الشاعر (الإنسان) والمدينة (بيئة الإنسان) ، هذا التوتر جسده الشاعر في الصراع بينه وبين مدينته التي يراها فضاء رحبا يبعث على الحزن والغربة والضياع ، أهلها غرباء لا معنى لوجودهم ، ينعدم التواصل بينهم ، و الكل منشغل بمصالحه الشخصية غير ملتفت لمشاكل الأخرين.
أما على مستوى الأسلوب ، فالقصيدة غنية بالخصائص الفنية التي وظفها الشاعر بشكل إبدعي مما جعلها تخدم المضمون و تضفي لمسة جمالية على القصيدة. ومن أمثلتها :
- الصور الشعرية : وريقة في الريح دارت ، ثم حطت ، ثم ضاعت في الدروب.
من خلال هذه الصورة يشبه الشاعر نفسه بالوريقة التي تدور قبل سقوطها ثم تضيع في الدروب ، في إشارة إلى ضياعه وغربته في المدينة.
- التكرار : هذا أنا .. هذه مدينة..
له وظيفة تتمثل في التأكيد ولفت الانتباه إلى الألفاظ المكررة
- الطباق : تبين ≠ تختفي - يذوب ≠ يمتد