المهاجرون ومشكلات الاندماج
…مهما كان صمود ثقافة الموطن الأصلي ، وقوة رفضها للذوبان في ثقافة بلدان الإقامة ، خصوصا لدى الجيل الأول من المهاجرين ، فإن المنحى الذي يفرض نفسه بالتدريج تحت ضغط إرغامات الواقع المتعددة ، يفرض ضرورة التأقلم الثقافي والسلوكي لدى مختلف فئات الجالية المهاجرة ، مع تباين واضح في أسلوب التأقلم حسب أصناف الجالية المختلفة ، وحسب المتغيرات الثقافية والمواقع الاقتصادية لأفرادها ، إلا أنه يمكن تمييز بعض المواقف الثقافية العامة والميولات سواء لدى الجيل الأول أو لدى الأجيال الشابة.
فبالنسبة للجيل الأول ، ما زال الاتجاه المعلن يؤكد بصدق على التشبث بالهوية والأصالة ، ويعتبر العودة إلى أرض الوطن خاتمة لتجربة الهجرة.
أما بالنسبة لأجيال الشباب من المهاجرين ، فإن مواقفهم تبرز تعددا وتنوعا وتعقيدا في الاتجاهات الثقافية ، وإن الدراسات التي تراكمت حول هذا الموضوع بالذات ، تثبت أن مواقف الأجيال الشابة ، رغم بعض التباين الذي يطبعها حسب فئات العمر والانتماء الثقافي والاجتماعي ، تلتقي في بعض القواسم المشتركة ، نلخصها في العناصر التالية :
- إن إشكالية بناء الهوية الفردية والثقافية تبقى مشكلة محورية نظرا لما تعانيه من تمزق وارتباك في تحديد معالم أساسية لبناء صورة ذاتية متجانسة وإيجابية.
- إن حالات الرفض التي غالبا ما تواكب سن المراهقة تتعقد نتيجة هذا التمزق وتسفر عن رفض مزدوج ، سواء للثقافة الأصلية أو لثقافة البلد المستقبل يعبر عنه في بعض الحالات بأشكال من السلوكات الجانحة.
- إن غالبية هذه الفئات – خصوصا الأطفال – يعانون ضعف في في مهارات التعبير والمهارات اللغوية عموما ، مما يعرقل مسيرتهم الدراسية ، وإذا كان هذا الضعف يعزى للوضعية الأسرية ولمستواها الثقافي ، فإن وضعية الهجرة تزيده تفاقما ، عندما لا يتعلم الطفل ، في سن مبكرة ، لغة أصلية متكاملة
- إن رغبة العودة تتراجع عند شباب الجيل الثاني والثالث ، أمام المطالبة بالاندماج وبحقوق المواطنة في بلدان الإقامة.
- أخيرا هناك عامل القيم الروحية والدينية عند شباب الجالية ، والذي استرعى اهتمام الباحثين في العقد الأخير لما له من دور أساسي في تشكيل الشخصية الثقافية وتوازنها.
إلا أن هذه المعطيات لا يجب أن تنسينا الوجه الآخر للوضعية الاجتماعية والثقافية للجيل الشاب في المهجر ، فهناك فئات استطاعت أن تشكل نخبة تتعامل مع النخب المحلية الأصلية وبنفس المستوى في ميادين متعددة من رياضة وفن وآداب ومهن حرة وبحث علمي ، ومجال المقاولات. بل إن هذه النخبة من استطاع اختراق مستويات رفيعة في التمثيلية الاساسية وبعض المناصب الإدارية المركزية أو الجهوية ، سواء داخل البلديات أو داخل الأحزاب والمنظمات النقابية وفي المجتمع المدني.
وإذا أصبحت هذه النخب تمثل قدوة بالنسبة لشباب الجالية في المهجر ، فلأنها استطاعت توظيف ازدواجية هويتها وتفتحها وقدرتها على التأقلم والمبادرة ، ولعل هذه الفئات مدعوة لا محالة لأن تلعب دورا متناميا باعتبارها وسيطا أو واجهة ، خدمة لصالح وطنها الأصلي ، وتجسيدا لمفهوم لا تمركز الثقافات الذي تفرضه العولمة الآن.
عبد اللطيف الفلق . هجرة المغاربة إلى الخارج ، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية – سلسلة ندوات . مطبعة المعارف الجديدة – الرباط سنة 2000 ص : 168 – 170 (بتصرف)
*ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : يتكون العنوان من اربع كلمات تكون فيما بينها مركبين : الاول عطفي (المهاجرون ومشكلات) والثاني إضافي (مشكلات الاندماج)
2- بداية النص : نلاحظ فيها تكرار جزء من العنوان (المهاجرين) ، أما باقي أجزاء العنوان فهي وإن لم تتكرر لفظا فإنها تنسجم من حيث المعنى مع بداية النص (مثال : اندماج----تنسجم مع لفظة------ذوبان)
3- نهاية النص : تلتقي مع العنوان لفظيا في كلمة مشتقة من الهجرة وهي (مهجر) وتلتقي معه معنويا في كلمة تحمل معنى الندماج وهي (التأقلم)
4- نوعية النص : مقالة تفسيرة ذات بعد سكاني.
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- تباين : اختلاف و تفاوت
- الجانحة : المنحرفة ، من فعل جنح : بمعنى مال وانحرف
-تفاقم : شدة وتعاظم.
2- القضية التي يطرحها النص
قضية الهجرة الخارجية وصعوبة تحقيق الاندماج في بلدان المهجر.
* تحليل النص :
1- الافكار الأساسية :
أ- اختلاف أسلوب اندماج المهاجرين في بلدان إقامتهم بين مهاجري الجيل الأول والثاني.
ب- في الوقت الذي يتشبث فيه الجيل الأول بهويته وأصالته نجد الجيل الثاني يعاني مشاكل في الاندماج تتعلق بالهوية الفردية والثقافية وضعف اللغة والتحصيل الدراسي وتراجع القيم الروحية والدينية
ج- رغم مشاكل الإندماج فإن فئة من المهاجرين الشباب استطاعت أن تفرض وجودها وتحقق كيانها داخل بلدان الإقامة مما يجعلها قدوة لغيرها من الشباب
2- الحقول الدلالية :
المعجم الاجتماعي | المعجم الثقافي |
أجيال الشباب – الجيل الأول - الوضعية الأسرية – الوضعية الاجتماعية – الفئات – السلوكات الجانحة… | التأقلم الثقافي – المتغيرات الثقافية – المواقف الثقافية العامة – الشخصية الثقافية – لغة أصلية… |
الدلالة : الانتماء الاجتماعي والثقافي للمهاجرين هو الذي يفسر سبب صعوبة الاندماج التي تعترضهم في المهجر
3- ملامح الخطاب الحجاجي داخل النص :
الفكرة المرفوضة | الحجج والبراهين | الفكرة المقترحة |
ذوبان المهاجرين في بلدان إقامتهم ونسيان اوطانهم الاصلية | - ذكر بعض المشاكل المرتبطة بالهجرة : (يعرقل مسيرتهم الدراسية – أشكال من السلوكات الجانحة…) - التمثيل : (إعطاء أمثلة بفئة من الشباب نجحت في بلدان المهجر) | الاندماج مع بلدان إقامتهم دون نسيان هويتهم |
* التركيب والتقويم :
يعاني المهاجرون في ديار المهجر مشاكل متعددة يرتبط معظمها بمشكل الاندماج في بلدان إقامتهم ، وإذا كان الجيل الأول من المهاجرين قد عبر في كثير من المواقف عن تشبثه بهويته وتعلقه بأصله ، فإن جيل الشباب من المهاجرين يحمل مواقف متباينة في علاقته بوطنه من جهة وعلاقته ببلد لمهجر من جهة أخرى . ولئن كانت هذه المواقف تتجه في معظمها نحو رفض العودة إلى الوطن الأم ،فإن جيلا من الشباب استطاع أن يحقق الاندماج التام في بلد المهجر ، ولم ينسه هذا الاندماج هويته وأصله ، واستحقوا بحق أن يكونوا قدوة لغيرهم من الشباب.
يتضمن النص قيمة اجتماعية وثقافية تتمثل في ضرورة تشبث المهجرين باويتهم الاجتماعية والثقافية رغم العراقيل التي يواجهونها في ديار المهجر.