نموذج متميز لموضوع إنشائي في وصف رحلة
رحلة إلى مدينة الرباط من إنجاز التلميذة : أمينة موركي (3/1)
لازلت
أذكر يوم خروجي رفقة والدي من مسقط رأسي أكادير ليلة الأربعاء في العاشر من شهر
يوليوز سنة 2014، استعددنا لبضعة أيام للتوجه إلى مدينة الرباط التي قررت بعد تفكير
ملي قضاء عطلتي الصيفية بها رفقة عمتي وزوجها إضافة إلى جدتي.
كانت
الساعة عند انطلاقنا قد قاربت منتصف الليل، لذلك استغرقت في النوم سريعا، ولما لم
يكن النوم مريحا على كرسي قاس في حافلة ما فتئت تتحرك وهي تلتهم مسافات الطريق،
فقد استيقظت رغما عني في ما قارب السابعة والنصف صباحا، لأجد نفسي في مدينة الدار
البيضاء، نظرت بإمعان عبر نافذة الحافلة، فلفتت انتباهي في أعلى أحد المباني كتابة
سوداء عريضة أخبرتني في صمتها باسم المكان الذي تُتوجه فكان محطة اولاد زيان،
استدرت إلى جهة أخرى، فكان مما رأيت أناسا اختلفت وجهتهم وأوصافهم لكن الصورة التي
التقطتها وأنا أنظر إليهم لم تعبر عن نشاط وحيوية تدب في المكان، فافترضت أن أجواء
رمضان والعطلة الصيفية إضافة إلى الوقت المبكر من الصباح من أسباب ذلك، سافرت بي خاطرتي
لبرهة إلى فترة الدراسة لكن صوت المحرك الذي أعلن عن استئناف السفر، جرني بسرعة
فأفلت شريط أحداث طريفة رسخت في ذهني، فوجدت نفسي بعد بضع دقائق أنظر إلى لوحات
فنية عرضتها علي الطبيعة، قبل أن ترحب بنا لافتة أعلنت دخولنا إلى العاصمة الرباط،
بقيت أنظر إلى بعض البنايات التي توالت في طريقنا قبل تفاجئني صومعة حسان وهي تطل
مرحبة من بعيد، واصلنا مشوارنا إلى حين الوصول إلى حي الرحمة بسلا، كانت الأجواء
هادئة والمكان خاليا من الناس، تكاد تظن أن كل البنايات المتواجدة تخلو من السكان،
فلا ضجيج يسمع ولا حراك في المكان، لكن وصول عمتي لمرافقتنا أشغلني عن التفكير في
السكون الذي عم الحي فما كان لي إلا أن أعبر لها عن مشاعر الاشتياق التي كنت أحس
بها، دخلنا المنزل فإذا بجدتي ترحب بنا وتحمد الله على وصولنا بسلام، وإذا بالمنزل
مختلف عما رسمته مخيلتي، شقة متوسطة الحجم تطل على الشارع في واجهتين، وأشعة الشمس
تتجول بحرية في أرجاء البيت. لم يسمح لي تعب السفر بالتعرف أكثر على المكان
فاستسلمت للنوم طويلا، واستيقظت على صوت ضوضاء صادرة من خارج المنزل، نظرت عبر النافذة
فإذا الشارع تدب فيه الحركة والنشاط، كانت الصورة مختلفة تماما عما رأيته فور
وصولنا، بل لم أجد أوجه تشابه بينهما مطلقا. مر الوقت سريعا حتى حان وقت الإفطار
فطغى السكون مرة أخرى على الأجواء ربما لفترة لم تكن بالطويلة حتى عادت مرة أخرى
إلى نشاطها. هل هذه لعبة يستمتع الوقت بلعبها مع الإنسان؟
حل صباح اليوم التالي، كان يوم جمعة، يوم يرمز
عادة إلى الصلاة جماعة في المسجد، وبما أننا في الرباط فالمسجد المترشح الذي حظي
بحصة الأسد في التصويت هو بالتأكيد مسجد حسان، انتقلت بنا سيارة الأجرة من مدينة
سلا إلى مسجد حسان بالرباط مرورا بقنطرة الحسن الثاني التي تربط الصلة بين
الجارتين وتعلو النهر الفاصل بينهما نهر أبي رقراق.
دخلنا
عبر باب المسجد فإذا هي ساحة واسعة تتوسطها صومعة حسان الشامخة وتحيط بها أعمدة
كأنها جنود تحرس المكان. ولجنا مقصورة الصلاة، فإذا المكان غاص بالمصليات، أما ما
لفت انتباهي فهو جمالية النقوش التي كانت تزين كل زاوية من زوايا المسجد، تمعنت
فيها طويلا فرجعت بالزمن وراء حتى استقررت بعهد حكم المسلمين للأندلس، فتذكرت قصر
الحمراء بغرناطة وما تزهو به من جمالية أجدها في صومعة حسان كذلك. أدينا الصلاة، فانتقلنا
مباشرة لزيارة ضريح محمد الخامس، وعند مدخل المعلمة أبصرت شخصا لفت انتباهي، كان ينتصب
جامدا أمام باب الضريح دون حراك، أما صورته فلا تزال عالقة في ذهني، زيه العسكري
التقليدي الذي يطغى فيه الأحمر الداكن على الألوان الأخرى وقبعته الدائرية التي
كانت تتوج رأسه، كل ذلك جعله محط أنظار زوار المعلمة. دخلنا الضريح فكانت الأجواء
هادئة وعطرة، وأما الزوار فكانوا يملئون المكان، منهم من أقبل على الدعاء في صمت ومنهم
اشتغل بالتقاط صور تذكارية، أما البعض الآخر فقد شغله عن ذلك كله النظر والتمعن في
أرجاء وزوايا المعلمة التي سحرت بجمالها كل من قصدها.
توالت
الأيام، وتميز كل يوم عما والاه فزرنا أماكن تاريخية وأخرى إدارية اشتهرت بها
مدينة الرباط، أذكر منها زيارة قصبة شالة، مسرح محمد الخامس، الحديقة الوطنية
بالرباط، الحدائق العجيبة، باب لمريسة، سوق المدينة وشارع محمد الخامس الذي اخترق
قلب العاصمة إلى أن التوى وسط سلا العتيقة، وكان مما زرته أيضا منطقة سميت بمدينة
العرفان ضمت في صلبها ما يعادل 40 كلية ومؤسسة عمومية، وكانت الزيارة رفقة زوج
عمتي الذي يعمل كمفتش تربوي والذي لم يبخل علي أبدا بنصائح ومعلومات اقتبسها من
عصارة تجربته ومسيرته المهنية التي جعلت منه شخصا مثقفا وجديا بامتياز.
خلال
زيارتي للعاصمة، لا أذكر أنني التقيت بأشخاص كثر فهم يعدون على رؤوس الأصابع ومنهم
الأستاذ محمد، هو صديق مقرب لزوج عمتي، كما أنهما يعملان في نفس المجال، التقينا
مرتين فقط لكنهما كانتا كافيتين للتعرف على ملامح من شخصيته، فكلامه وتعاملاته لا تدل
إلا على شخص مثقف وطموح ومتخلق، وما زلت أذكر الكلمات التي أراد من خلالها تقديم
نصائح لي تخص دراستي وتوجهاتي المستقبلية.
صراحة، كانت العطلة ممتعة في الرباط لكن كان من
الضروري العودة إلى أكادير مرة أخرى خاصة مع اقتراب موعد الدخول المدرسي، فكان
رجوعي في التاسع عشر من غشت بعد أكثر من شهر قضيته في الرباط. لقد كان هذا السفر
من أمتع وأفيد التجارب التي عشتها في حياتي، فلم أرجع خالية الوفاض لكني عدت
بأفكار ومعلومات جديدة ولحظات ممتعة ستظل راسخة في ذهني.